بسم الله الرحمن الرحيم
باحث في جامعة هارفارد وزميل مشارك في معهد الخدمات الملكية المتحدة.
خرجت ليبيا عن النص الذي سارت عليه نتيجة الديمقراطية في دول الربيع العربي،
حيث كان من المفترض أن تكون أحداث السيناريو في ليبيا بسيطة: يدعم
الليبراليون السذج الثورة الليبية، ثم بعد ذلك يختطف الإسلاميون نتائجها،
وبذلك تكون نهاية الفيلم.
وخلال العام الماضي، حذرت مجلة ذي أميريكان سبيكتيتور The American
Spectator من أن الإسلام السياسي سيصبح قوة سياسية مهيمنة في (ليبيا)،
وأشار جون برادلي، كاتب في مجلة سبيكتيتور، أن مقاتلين سابقين في تنظيم
القاعدة ومجموعات من القبائل المتشددة" استحوذوا على ليبيا " وفرضوا قوانين
الشريعة الإسلامية على الدولة التي كانت في يوم ما "دولة علمانية".
وعلى النقيض من السيناريو السابق، يبدو أن محمود جبريل، رئيس الوزراء
السابق في الحكومة الليبية الانتقالية وزعيم حزب تحالف القوى الوطنية، قد
فاز بأول انتخابات ليبية حرة خلال 60عاما، مكتسحا معارضيه الإسلاميين.
وسجلت هذه الانتخابات إقبالا كبيرا ومشاركة بلغت 62%، كما كانت
الانتخابات في معظمها سلمية. ووفقا لوصف أحد المراقبين، كانت الانتخابات
بمثابة "عرس لعائلة كبيرة، شهد احتفالات صاخبة ودموع الفرح"، حتى في
المناطق التي كانت شهيرة بعدائها للثورة مثل مدينة سرت، مسقط رأس القذافي
والتي كانت تسانده أثناء الثورة، كان الإقبال قويا بشكل يدعو للدهشة.
وفي وقت يتم اعتبار فيه ثورات الربيع العربي محض خيال، تجسدت روح الثورة
واشتعلت جذوتها من جديد في ليبيا. وتعد الانتخابات التشريعية الليبية،
وغيرها من الخطوات الهامة، من الانجازات البارزة لليبيا التي عانت من وطأة
الحرب الأهلية منذ أقل من عام.
وبالفعل يعتبر الإسلام قوة اجتماعية أساسية، ولا يستطيع أي حزب سياسي أن
يزعم أن "العلمانية" كانت قوة اجتماعية أساسية في ليبيا، ولا تعد الحكومة
الائتلافية المزمع تشكيلها حكومة "ليبرالية" بالطريقة التي نفهمها. ويتوجب
على محمود جبريل أن يكون مستعدا للعمل مع الإسلاميين، وقبول الشريعة كمصدر
للقوانين.
ولا يمكن إثبات نظرية أن الثورة دمرت دولة "كانت في يوما ما دولة
علمانية"، حيث أن القذافي سمح بتعدد الزوجات، وحظر المشروبات الكحولية،
وأدرج الشريعة في الدستور الليبي.
وكما هو الحال في مصر، يعتمد الحنين المفاجئ إلي الحكام الديكتاتوريين
المتسامحين ظاهريا على أسطورة لا أساس لها من الصحة، حيث إن الإسلام كان
قوة مهيمنة في مصر، كما هو الحال في ليبيا، ولكن الاختلاف هو أن
الديمقراطيين الجدد في ليبيا من غير المحتمل أن يقوموا بذبح ناخبيهم الذين
يقدر عددهم بالآلاف (من الإسلاميين).
وأشار هنري سميث، خبير في الشئون الليبية، أن "معظم الأحزاب السياسية
تحاول أن تكون شاملة من الناحية السياسية والاجتماعية، وأن تكون ودودة
للقطاع الخاص".
وأوضح جورج جرانت، محرر مساعد في صحيفة ليبيا هيرالد Libya Herald ، في
إرشاداته بشأن المشهد السياسي الليبي قائلا: " تعتبر فكرة الانقسام بين
العلمانيين والإسلاميين، التي تحبها للغاية الأطراف الخارجية، فكرة
خاطئة".
ويبدو أن واقعية جبريل كانت سببا في إحداث طفرة انتخابية. ففي طرابلس،
حصد حزب تحالف القوى الوطنية 80% من الأصوات، وفي بنغازي حصد الحزب 60%
منها، ولتوضيح ذلك بصراحة فان ليبيا "لم يستول" عليها الجهاديين.
ومع ذلك، تواجه ليبيا الجديدة العديد من المشكلات الخطيرة، كما يجب
إعطاء جرائم انتهاك حقوق الإنسان، وتعذيب مؤيدي القذافي، نفس الفحص الدقيق
كما كان مطبقا أثناء حكم النظام القديم.
كما أن الحكومة المنتخبة الجديدة لن تحصل على سلطتها بالكامل، حيث ينبغي
عليها التعامل مع حرب القبائل في الجنوب، والشكاوي الإقليمية في الشرق،
وانعدام الثقة في الثوار، الذين يعتقدون أن دورهم في الثورة لم يتم تقديره
بشكل كاف.
وما يجعل الأمر أكثر تعقيدا هو أن قواعد اللعبة مازالت في حالة تغير
مستمر. ففي البداية، كان من المفترض أن يرشح البرلمان الجديد اللجنة التي
ستقوم بكتابة الدستور. أما الآن، فيبدو أن ذلك سيتطلب انتخابات أخرى.
وبالإضافة إلي ذلك، تواجه ليبيا مشكلات اقتصادية اعتيادية، كما تبلغ
نسبة البطالة حوالي 30%، كما توجد تحديات خطيرة أمام دولة ضعيفة حاليا،
والتي ستصبح دولة غنية بأموال مبيعات النفط.
وبالإضافة إلي ذلك، لا تضمن الانتخابات التشريعية ترسيخ الاستقرار
السياسي في ليبيا، كما إن المراحل الانتقالية التي تمر بها البلاد محفوفة
بالمخاطر. لكن عقد هذه الانتخابات الحرة والسلمية يعتبر أكبر خطوة يتم
اتخاذها في الطريق الصحيح، ويعد ردا من الليبيين على المشككين في قدرة
ليبيا على التحول الديمقراطي.
شاشانك جوشي
نقلا عن التليجراف البريطانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق