التريكي لـ«الحياة»: رمى القذافي ميثاق الامم المتحدة واستباح كل القواعد
فغطّيت وجهي خجلاً ... حافظ الاسد لم يثق بوليد جنبلاط وكان شديد الانزعاج
من «عناد» غالبية الموارنة
كان الدكتور علي عبدالسلام التريكي رئيساً للجمعية العامة للأمم المتحدة
حين جاء معمر القذافي لمخاطبتها في ايلول (سبتمبر) 2009. كانت الفضيحة
مدوية. انتهك الزعيم الليبي كل القواعد ورمى الميثاق ارضاً ولم يكن أمام
التريكي غير ان يغطي وجهه خجلاً على مرأى من وسائل الاعلام. سألت التريكي
عن تلك المحطة التي احتلت الشاشات يومها وسألته عن محطات اخرى وشخصيات،
وهنا نص الحلقة الثانية:
> كيف كانت علاقة معمر القذافي بياسر عرفات؟
- في السنوات الاولى اعطى القذافي القضية الفلسطينية الاولوية على ما
عداها وتكرر الكلام عن قومية العمل الفدائي. وبسبب هذا الموقف لم يكن
القذافي يتردد في التغاضي عن بعض التفاصيل. وكانت كل الأنظار متجهة الى
حركة «فتح». لاحقاً برزت تنظيمات فلسطينية اخرى مثل «الجبهة الشعبية لتحرير
فلسطين» بزعامة جورج حبش و «الجبهة الديموقراطية» بزعامة نايف حواتمة و
«القيادة العامة» بزعامة احمد جبريل وتنظيمات اخرى. كان هناك شعور لدى
اطراف عربية، وبينها ليبيا، ان هذه التنظيمات يمكن ان تشكل بديلاً من
«فتح». وهكذا قامت ليبيا بتسليح هذه التنظيمات ودعمها في لبنان في موازاة
تسليح ودعم تنظيمات لبنانية كانت تسمى القوى الوطنية اللبنانية.
كان اسلوب القذافي المفاجئ والمباشر والمتشدد مختلفاً عن اسلوب ياسر
عرفات الذي كان يريد الحصول على دعم من الدول العربية من دون ان يتيح لها
الامساك بالقرار الفلسطيني او التأثير في البرنامج الفلسطيني.
لا شك في ان عرفات كان بارعاً ومناوراً. كان حاضراً حين ألقى انور
السادات خطابه الشهير وأعلن استعداده لزيارة القدس من اجل ابرام سلام
واستعادة الارض المحتلة. بعدها جاء عرفات الى طرابلس وراح يتذمر ويقول ان
السادات فاجأه وخدعه. لاحقاً كان لدى بعض القيادة الليبية شعور بأن عرفات
يمارس لعبة مزدوجة وأنه كان ينسق مع السادات من طريق تفاهم توصل اليه مع
المسؤول المصري سيد مرعي. طبعاً كان عرفات يقبل ويعانق ويحاول اعطاء
علاقاته الشخصية طابع الحميمية والدفء لكنه كان يتمسك بحساباته ويستفيد الى
اقصى حد من التناقضات العربية للتفلت من اي ضوابط يعتبرها مزعجة.
في القمة الثالثة لـ «جبهة الصمود والتصدي»، التي عقدت في الجزائر، حاول
القادة ضبط عرفات. طلبوا منه ان يكتب رسالة موجهة الى الرئيس الاميركي
جيمي كارتر يقول فيها صراحة ان السادات لا يمثل الفلسطينيين في اي نقاش او
مفاوضات تتعلق بالقضية الفلسطينية. اظهر عرفات تردداً فطلب الرئيس هواري
بومدين مني ان أصوغ نص الرسالة ففعلت.
غضب ياسر عرفات وعتب وقال ان هناك نصاً سيعدّه المسؤول الفلسطيني
عبدالمحسن ابوميزر. وفي النهاية نجح عرفات في الالتفاف على طلب القادة.
> هل كان القذافي يكره عرفات؟
- لا اعرف اذا كانت الكراهية هي الكلمة المناسبة. الاكيد انه كانت
للقذافي مآخذ على اسلوب عرفات. كان الزعيم الفلسطيني بارعاً كما قلنا يقبل
ويحتضن ويحاول الافادة احياناً من الخلافات العربية إما للحصول على دعم
وإما لحماية قراره. مثلاً كان يأتي الى طرابلس ويقول انه لم يحصل على شيء
في جولته الخليجية. كان يلعب على التناقضات. في المقابل كانت مواقف حبش
واضحة وقاطعة وأسلوبه الشخصي مختلفاً وهو ما مكنه من فرض احترامه على
محاوريه. طبعاً نجح احمد جبريل زعيم «القيادة العامة» في إنشاء ما يمكن
تسميته علاقة خاصة مع ليبيا وحصل على دعم واضح منها.
> ألم ينزعج القذافي من كون حبش مسيحياً؟
- لم يشكل ذلك عائقاً في التعامل مع حبش او حواتمة. طبعاً في المغرب
العربي لا يشكل المسيحيون جزءاً من النسيج الاجتماعي. كنا في البداية
نستغرب حين نرى مصرياً اسمه جورج او اسحق ويتكلم العربية بطلاقة. التركيبة
عندنا مختلفة عنها في لبنان حيث التعددية جزء اساس من تركيبة البلد. حبش
كان يحظى باحترام. سمعت مثل هذا الكلام من الرئيس حافظ الاسد الذي ربطتني
به علاقة خاصة وكانت لي معه لقاءات عدة. في المقابل، كانت علاقة الاسد
بعرفات شائكة وقد عشتم في لبنان بعض فصولها.
> كيف كانت علاقة حافظ الاسد مع القذافي؟
- كانت جيدة إجمالاً او فلنقل لا بأس بها. وشهدت تلك الفترة محاولات
للوحدة بين البلدين. يمكنني القول ان الاسد كان اكثر جدية من معمر في موضوع
الوحدة. سلوك معمر اتسم بالديماغوجية في كثير من الاحيان. الاسد كان جدياً
وكانت لديه قدرة على استيعاب من يتحاور معه. كان يقول مثلاً ان البعد
الجغرافي ليس عائقاً وأن المسافة بين جاكرتا وبعض الجزر الاندونيسية تبلغ
آلاف الكيلومترات. تمسك الأسد خلال محادثات الوحدة ببقاء حزب «البعث»
معتبراً ان الموافقة على حل «البعث» خلال الوحدة المصرية - السورية كانت
خطأ يجب ألا يتكرر. القذافي في المقابل كان يطالب بإلغاء حزب «البعث» في
اطار الوحدة. قال الاسد انه مستعد لاندماج كامل بين البلدين شرط بقاء حزب
«البعث». الحقيقة ان الاسد كان بارعاً وأظهرت الايام انه كان يعرف ماذا
يريد ويجري حسابات دقيقة. في لقاءات جبهة الصمود والتصدي كان الاسد يبدو
مستعداً للذهاب الى الآخر من اجل اسقاط كامب ديفيد.
يجب ألا ننسى هنا اننا نتحدث عن حقبة مختلفة. حقبة كانت حافلة
بالانقلابات والاحلام الوحدوية. المشهد الدولي كان مختلفاً ايضاً. اليوم لا
نسمع في العالم العربي غير أخبار التشرذم والتوتر المذهبي والتفتت.
> كيف كانت علاقات القذافي مع الزعماء العرب إجمالاً؟
- كانت له علاقات جيدة وممتازة مع الرئيس هواري بومدين. وكانت له علاقات متينة مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
> ماذا كنت تبحث مع حافظ الاسد؟
- كان الوضع العربي يستأثر بالجانب الاكبر من الاهتمام. بحثنا في مرحلة
قيام صيغة تجمع مصر وسورية وليبيا اي «اتحاد الجمهوريات». وبحثنا في برنامج
جبهة الصمود. كان الاسد يتطرق ايضاً الى الوضع اللبناني. كان ينظر الى
سورية ولبنان كامتداد واحد ويعتبر لبنان امتداداً للأمن القومي السوري.
ويتحدث ايضاً عن مسؤولية سورية تاريخية لمساعدة لبنان في الحفاظ على وحدته
واستقراره. لا شك في انه كان يبالغ في المحبة ويبالغ في العداء حين يتعلق
الامر بالاطراف اللبنانيين.
كان يبالغ مثلاً في لوم الموارنة او لنقل لقسم كبير منهم على عنادهم
ويعتبر انهم يتطلعون الى الغرب باستمرار لعرقلة سياسته وأن بينهم من لا
يتردد في الرهان على اسرائيل بذريعة مقاومة الهيمنة السورية. في الوقت نفسه
كان يشيد بالرئيس الماروني سليمان فرنجية. كان لديه شعور ان اكثرية
الموارنة لعبوا دوراً في عرقلة رغبة سورية في الامساك الكامل بالورقة
اللبنانية. عملياً كان يريد من المسؤولين اللبنانيين انتهاج سياسة متطابقة
مع السياسة السورية. كان ايضاً يشكو من وليد جنبلاط ويعتبره متقلباً
ومزاجياً وغير مضمون. نحن كنا نشجعه على اقامة علاقات وثيقة مع جنبلاط لكن
كان يبدو من كلامه انه لا يثق به في حين يثق بالذين ينتهجون سياسة مطابقة
لسياسة دمشق. كانت للاسد مثلاً علاقة ممتازة مع الرئيس نبيه بري. طبعاً حظي
الرئيس اميل لحود بعطف صريح من الاسد الاب ثم من نجله بشار.
> كيف كانت علاقة معمر مع الرئيس بشار الاسد؟
- لم تكن بمستوى العلاقة مع والده. كان القذافي يعتبر نفسه اكثر خبرة من
جيل الأبناء من الحكام العرب وكان ينادي الواحد منهم احياناً بكلمة يا
ابني وهذه مخاطبة غير مناسبة.
> من كان الاقرب الى القذافي في لبنان؟
- كانت العلاقة قوية مع القوى الوطنية اللبنانية وكان ممثلوها يزورون
ليبيا ويلتقون المسؤولين ويحصلون على الدعم. هذا الملف كان في السنوات
الاولى في عهدة الرائد عبدالسلام جلود الذي قام بزيارات ووساطات في الموضوع
اللبناني. قدمت ليبيا دعماً واسعاً للقوى الوطنية اللبنانية والمنظمات
الفلسطينية. عندما اندلعت الحرب في لبنان كان لليبيا موقف ايجابي تجاه
المسيحيين اللبنانيين وكانت ضد الضغط عليهم او حشرهم الى درجة التفكير في
التعامل مع اسرائيل.
> لماذا اهتم القذافي بلبنان وأنفق تلك الاموال فيه؟
- لبنان بلد مفتوح وفيه حيوية سياسية وإعلام وأفكار وأحزاب وتيارات
قومية وقبل ذلك وجود الثورة الفلسطينية على اراضيه. كان هناك شعور بأهمية
الوجود على الساحة اللبنانية لارتباطها بشؤون المنطقة. جمال عبدالناصر اهتم
بالوضع في لبنان. حافظ الاسد كان يعتبر ان ترك لبنان يشكل خطورة على الامن
القومي لسورية. صدام حسين اهتم ايضاً في مرحلة ما. القذافي اهتم هو الآخر.
تركيبة لبنان كانت تسهل هذا النوع من الاهتمام او التدخل.
> في عهد القذافي كانت العلاقات الليبية - السعودية مضطربة؟
- الحقيقة ان السياسة السعودية لا تسعى الى اثارة المشاكل وتوافق على
معالجتها في حال حدوثها. الخطأ كان يأتي من جانب معمر. خذ مثلاً محاولة
توزيع «الكتاب الاخضر» خلال موسم الحج. تدخلت لدى الأمير سلطان بن عبد
العزيز. وللأمانة كان موقفه ايجابياً وقد كان دائماً منفتحاً ورحب الصدر.
كما التقيت الأمير فهد بن عبدالعزيز بعدما ألقوا القبض على ثلاثة ليبيين
اثاروا مشاكل في الحج. سلمني اياهم وأعدتهم معي. القيادة السعودية قيادة
عاقلة. في فترة لاحقة ذهبت الى الملك عبدالله بن عبدالعزيز في 2010. كانت
لدى الملك مآخذ خصوصاً ان السلطات اكتشفت محاولة اعدّتها الاجهزة الليبية
لاغتياله.
كانت التدهور بدأ بعد الإشكال الذي وقع في القمة العربية في شرم الشيخ.
خلال القمة التقيت الأمير عبدالله وحاولت احتواء الموقف وتمنيت على الرئيس
حسني مبارك ان يبذل جهوده. انا كنت ضد اي تدهور بين طرابلس والرياض. ذات
يوم طلب مني القذافي ان اهاجم السعودية خلال زيارتي الى اليمن فلم افعل.
طبعاً الملك عبدالله كان لا يثق بالقذافي. وكانت لديه معلومات مؤكدة عن خطة
استهدافه. محاولة الاغتيال كانت نوعاً من رد الفعل الغوغائي من جانب
القذافي على ما حدث في شرم الشيخ من صدام بين الرجلين. على رغم ذلك ابدى
الإخوان في السعودية استعداداً لتجاوز ما حصل لكن القذافي كان عنيداً في
هذا الموضوع. كان معمر يتخذ مواقف سيئة وغير مبررة وغير منطقية كالمطالبة
بوضع الحرمين الشريفين تحت إشراف غير سعودي.
> كيف كانت علاقة معمر مع الرئيس علي عبدالله صالح؟
- عادية لكن الرئيس صالح كان يتهم القذافي بدعم الحوثيين وان السلطات اليمنية صادرت اموالاً ليبية كانت مرسلة اليهم.
> الى اي درجة كان العمل مع القذافي صعباً؟
- صعب جداً جداً. طبعاً انا لم امارس عملاً في الشأن الداخلي. في العمل
الديبلوماسي كان القذافي صعباً وعليك دائماً ان تحاول اصلاح الأضرار التي
تسببها تصريحاته او ممارساته. كان يتخذ مواقف عاطفية او ارتجالية وتنعكس
على علاقات البلد. تسبب في ازمات كثيرة مع تونس والسعودية والسودان ودول
اخرى. كنت مع مجموعة من الاخوان في الدولة نسارع الى حصر الأضرار تمهيداً
لإيجاد حلول.
لم يكن القذافي يراعي الاصول الديبلوماسية. طلب مني مثلاً ان انقل رسالة
الى الملك الحسن الثاني وأصر ان اقول للعاهل المغربي «انه رجعي وعميل»
واتهامات اخرى. تصور ان يصل مبعوث الى دولة ليبلغ ملكها او رئيسها انه
«عميل». لم نكن ننقل مثل هذا الكلام.
ذهبت الى الملك الحسن الثاني لأسلمه دعوة الى القمة الافريقية المقرر
عقدها في طرابلس. استقبلني الملك في حضور وزير خارجيته واثنين من مستشاريه.
قال لي قبل تسلم رسالتك احب ان اسمعك شريطاً. بدأ الشريط وإذ هو عبارة عن
تعليق في الاذاعة الليبية تضمن ألفاظاً بذيئة ضد الملك وأخلاقه ومواقفه.
صدم الحاضرون من الجانب المغربي لكن الملك كان يهدئهم. عقدت جلسة طويلة مع
العاهل المغربي امتدت من الثامنة مساء حتى الثانية صباحاً. في نهاية الجلسة
قال الملك ما رأيك يا علي ان نقوم نحن الرجعيين بتعيين شخص وتقومون انتم
كتقدميين بتعيين شخص ويكون الحوار بينهما. سألته من ترشح فسمّى مسؤولاً
مقرباً من الرئيس الشاذلي بن جديد. وسألني من نرشح فأوردت اسم العراقي
سعدون حمادي فقال نحن نحسب سعدون معنا، اي مع الرجعيين. الحقيقة ان الملك
كان يسخر من الاتهامات التي درج القذافي على إطلاقها ضد الدول المعتدلة او
التي تقيم علاقات قوية مع اميركا.
هناك حالات عدة من هذا النوع. كان يغضب من عمرو موسى فيقول لي اطلبه واشتمه وقل له كذا وكذا وكنت اجيبه انا لا اقدر ان اشتم.
> لكن علاقته كانت جيدة مع زين العابدين بن علي؟
- كان بينهما نفاق متبادل. ذات يوم قال الرئيس حسني مبارك ان قمة عربية
طارئة ستعقد في مصر، والملوك والرؤساء مدعوون لحضورها. بدت لهجته وكأنها
استدعاء. حملني القذافي رسالة الى مبارك تقول نحن لسنا موظفين عندك وأشياء
اخرى. طبعاً انا ذهبت وتحدثت بمفردات مقبولة من نوع ان الصيغة التي استخدمت
فهمت وكأنها وقد تفهم الرئيس المصري. حملني رسالة من النوع الساخن الى
الرئيس فرنسوا ميتران بسبب الوضع في تشاد، لكن طبعاً انا لم استخدم مفردات
القذافي.
> اذاً العمل معه صعب؟
- جداً. تصور ان يفكر في تقسيم سويسرا او طردها من الامم المتحدة او
اعلان الجهاد ضدها لأنها اتخذت إجراء ضد تجاوزات نجله هانيبال وزوجته. انه
في الحقيقة مزاجي ويقوم احياناً بمبادرات مضرة. جرى نقاش حاد بيني وبينه
حين اختلف مع رئيس جنوب افريقيا مبيكي وراح يدعم الرئيس الحالي زوما. لقد
كان جزء من وقتنا مكرساً لاصلاح الأخطاء والاضرار.
> كيف استطعت العمل اذاً هذه المدة الطويلة معه؟
- انا في الحقيقة كنت خارج البلاد لسنوات طويلة بسبب طبيعة عملي. ثم
انني لم اعمل في الشأن الداخلي. امضيت نحو عشر سنوات اعمل مندوباً في الامم
المتحدة. وأربع سنوات سفيراً في باريس. وأمضيت سنتين مندوباً لدى الجامعة
العربية. تصور ان يطلب مني بعد خطابه في نيويورك وكنت رئيساً للجمعية
العامة ان علينا ان نتحرك لإعادة فتح التحقيق في اغتيال الرئيس جون كينيدي.
تصور موقفي امام الحاضرين ووسائل الاعلام. يريد اعادة التحقيق في مقتل
كينيدي وكأن ليست لدينا مشاكل اكثر الحاحاً. هذا الموضوع شبيه باهتمامه
المفرط بالهنود الحمر وما تعرضوا له. يتصور الحاكم احياناً انه قادر على
قلب المقاييس والاولويات والمزاج العام.
> لنعد الى قصة الجمعية العامة؟
- كانت تلك المرة الوحيدة التي ذهب فيها القذافي الى الجمعية العامة
وكان رئيساً للاتحاد الافريقي. وكنت انا رئيساً للجمعية العامة. يفترض
برئيس الدولة الا يتحدث اكثر من عشر دقائق. معمر تحدث ما يزيد على ساعة
ونصف الساعة. وضعني في موقف حرج جداً. كان الامين العام المساعد يريد الضغط
على زر الضوء الاحمر لتذكير المتحدث بأن وقته انتهى. رحت ارسل الرسائل
للقذافي كي يختصر لكنه استرسل واسترسل.
النقطة الاخرى المسيئة كانت حين اغتنم وجوده على المنصة لرمي ميثاق
الامم المتحدة. بدا الاستياء واضحاً على وجه الامين العام بان كي مون وكان
ينوي مطالبته بوقف كلمته لكنني طلبت منه التريث لأنني لا اعرف ما يمكن ان
يكون عليه رد معمر. لقد خجلت الى درجة انني اخفيت وجهي بيدي وظهرت صوري في
الإعلام على هذا النحو.
قال القذافي اشياء غير معقولة على الاطلاق. علاوة على قصة كينيدي طالب
باطلاق سراح الجنرال نورييغا. بدا القذافي جاهلاً تماماً بقواعد العمل في
الجمعية العامة وقواعد إدراج المسائل على جدول اعمالها. تحدث كمن يلقي خطبة
في سرت او طرابلس حيث هو المرجع الاول والاخير ويستطيع ان يقول اي شيء
ويطالب بأي شيء. طبعاً لم يؤخذ بشيء مما قاله على رغم ان بعض الدول الصغيرة
في الكاريبي التي تحصل على اموال ليبية حاولت الايحاء بانها يمكن ان تقترح
معالجة بعض مطالب القذافي. الحقيقة ان مندوب ليبيا لدى الامم المتحدة
عبدالرحمن شلقم لعب دوراً هو الآخر في مساعدتي على الخروج من هذه الورطة.
كانت فضيحة كاملة.
> هل اثارت خيمته مشكلة يومها؟
- لم يقبل الاميركيون موضوع نصب الخيمة واضطر الى نصبها داخل المندوبية الليبية.
> هل كان القذافي مجنوناً او على شفا الجنون؟
- انا اعتقد انه في كثير من الاحيان كان يعيش في عالمه الخاص. لدي شعور
انه كان مقتنعاً بأنه شخصية استثنائية وانه مكلف تغيير العالم. تغيير
العالم مسألة لا تستطيعها دول كبرى. لم يدرك معمر، لا حجم ليبيا المحدود
ولا حجم دوره. المشكلة ان الحاكم اذا حقق بعض النجاحات الصغيرة يعتبر انه
قادر على تحقيق كل شيء. مثلاً يمكنك ان تقنع حاكماً في افريقيا بفرض اللغة
العربية او باعتناق الاسلام مقابل دعم سخي لكن في القضايا الكبرى الامر
مختلف. ينفصل الحاكم احياناً عن الواقع ويأتي المداحون ليضاعفوا المشكلة.
يزداد التعقيد اذا كان الحاكم لا يعرف الآليات التي تتحكم بالعلاقات بين
الدول وتعقيدات المشهد الدولي. تتضاعف الصعوبة اذا كان الحاكم ينطلق من
ثقافة محلية محدودة ومن افكار قديمة ويعتبر انه يمسك بالحقيقة المطلقة وانه
قادر على فرضها. اخطر ما في القذافي انه صاحب مواقف غير متوقعة وردود فعل
غير متوقعة ويقترح حلولاً لا يمكن توقعها. من انت مثلاً لتطرد سويسرا من
الأمم المتحدة؟ طلب من مندوب ليبيا ان يطرح الموضوع في شكل رسمي. رفض
المندوب الليبي جاد الله عزوز الطلحي تنفيذ الطلب فاستدعي الى طرابلس. شلقم
ايضاً لم يكن ينفذ هذا النوع من الطلبات. القذافي يقرأ كثيراً لكنه لا
يعرف العالم الحقيقي، العالم القائم على ارض الواقع. انه يتعامل مع اميركا
كأنه يتعامل مع غرينادا. لا يتوقف عند القوة الاقتصادية والسياسية. تصور
مثلاً ان يطالب في خطابه بنقل مقر الأمم المتحدة الى سرت بعد نقلها في
مرحلة اولى الى اوروبا. كان يقول اي كلام.